السبت، 29 مارس 2014

كذبة إبريل … تحت المجهر.


الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى، محمد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه ومن لأثره اقتفى.
أما بعد:
فإن الكلام سلاح ذو حدين، فربما زاد في صحيفة حسنات الإنسان، وربما زاد في صحيفة سيئاته، "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد"،
 وها نحن نستقبل شهر إبريل من تاريخ الإفرنجي، ومن مظاهر الغزو الفكري على بلادنا الإسلامية: تقليد الغرب في ما يسمى ب "كذبة إبريل".
وهذه العادة المستوردة اسمها يدل على مخالفتها لشريعتنا الغراء، فإن الكذب داء عظيم، وهو من قبائح الذنوب، وكبائر العيوب، وقد حذر الله -جل وعلا- منه في كتابه الكريم، قال تعالى: "إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب"، وأمر بالصدق فقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين".
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- آمراً بالصدق محذراً من الكذب: "عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً" رواه البخاري ومسلم.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "فإن الصدق طمأنينة، والكذب ريبة" رواه الترمذي وصححه الألباني.
وعدَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- الكذب من علامات النفاق فقال: "أربع من كنّ فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خلة منهن كانت فيه خلة من النفاق: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر" رواه البخاري ومسلم.
وقال -صلى الله عليه وسلم- مبيناً عقوبة الكاذب الذي ينتشر كذبه: "رأيت رجلان أتياني قالا: الذي رأيته يشق شدقه فكذاب، يكذب الكذبة تحمل عنه حتى تبلغ الآفاق، فيصنع به إلى يوم القيامة" رواه البخاري.
وبيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- عظم أجر من ترك الكذب فقال: "أنا زعيم بيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً" رواه أبوداود وحسنه الألباني.
والكذب من أبغض الأخلاق إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، تقول أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: "ما كان خلق أبغض إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الكذب" رواه الترمذي وصححه الألباني.
ومن تعوّد الكذب في هذه المواسم هان عليه في غيرها.
ومن جهة أخرى: فإن في هذه العادة الذميمة -كذبة إبريل- تشبه بالكفار في سلوكهم، وقد نُهينا عن ذلك، قال -صلى الله عليه وسلم- : "من تشبه بقوم فهو منهم" رواه أبو داود وأحمد وصححه الألباني.
فنهى -صلى الله عليه وسلم- عن التشبه بهم؛ لأن مشابهتم في الظاهر والسلوك لابد أن تورث الشعور بالتقارب معهم وموادتهم.
فيجب الحذر من هذه العادات الدخيلة، والتسليم لما جاء في شريعة الإسلام، قال الله تعالى: "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخير من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً"، وقال تعالى: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب".

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


كتبه
 د. عبدالرحمن عبدالله الجرمان
 Twitter: @Dr_aljarman

الجمعة، 21 مارس 2014

أيام الأم في الإسلام ،،،

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فتعيش أغلب الأمهات الغربيات في جفوة بينهن وبين أبنائهن، فمنذ أن يبلغ الابن أو البنت سن الرشد يخرج من بيت أمه ليعيش وحده أو مع أصدقائه منشغلاً عن أمه بحياته أو اللهو بملذاته.
وحاولوا في الغرب أن يذكروا الأبناء والبنات بأمهاتهم ولو في يوم واحد في السنة فاستحدثوا واعتمدوا أخيراً في القرن العشرين عيداً للأم لإدخال السرور على قلبها بهدية أو رسالة أو مكالمة، ويختلف تاريخه من بلد لآخر ففي الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وكثير من الدول يكون في الأحد الثاني من شهر مايو، وفي بعض الدول يكون في ٢١ من شهر مايو، وفي بعضها في تواريخ مختلفة.
وهذا يعكس حالة الأسى والحزن التي تعيشها الأم الغربية، فهل حق الأم على أبنائها يكون في يوم واحد في السنة؟!
هل الأم منسية لهذه الدرجة حتى يتم تذكير أبنائها بها في يوم واحد في السنة؟!
إن الإسلام أكرم الأم غاية إكرام، وجعل إكرامها وإدخال السرور عليها والإحسان إليها في كل أيام السنة وطول العمر.
فقرن الله تعالى حق الأم مع حقه تعالى الذي هو التوحيد في آيات كثيرة فقال تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً)، وقال تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً).
ووصى تعالى بالوالدين خيراً وذكّر الإنسان بما عانته أمه في سبيل وصوله للحياة ورعايته في الصغر فقال: ( ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته أمه كُرهاً ووضعته كُرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهراً).
بل أوصى برعاية الأم والأب والإحسان إليهما ولو كانا كافرَيْن فقال: (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً لى وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إليَّ المصير * وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تُطِعْهُما وصاحبهما في الدنيا معروفاً ...).
ونهى عن كل ما يؤذيهما لا سيما عند شدة ضعفها وحاجتهما لابنهما أو بنتهما في سن الكِبَرِ فقال تعالى: ( إما يبلغن عندك الكِبَر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍّ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً) ثم أمر بلين الجانب لهما وبيّن أن الرفعة الحقيقية في التذلل لهما فقال: (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) فالجناح هو الذي يُحَلَّقُ به عالياً وهو كناية عن الرفعة، ثم ختم الآية بالأمر بالدعاء لهما فقال: ( وقل ربِّ ارحمهما كما ربياني صغيراً).
وبيّن النبي ﷺ أن أحق الناس بالبر والإحسان في الدنيا هي الأم ثم الأب، فقد جاء ن معاوية بن حَيْدَة -رضي الله عنه- أنه سأل النبي ﷺ فقال يا رسول الله: من أَبَرُّ؟ فقال: أمك، قال ثم من؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال: ثم أباك ثم الأقرب فالأقرب) رواه الترمذي وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وحسّنه الألباني.
ولعظم منزلة الأم في الإسلام فقد بيّن النبي ﷺ أن برّ الوالدة والإحسان لها مُقدّمٌ على ذروة سنام الدين -الجهاد في سبيل الله-، فعن معاوية بن جاهِمة السلمي أنه قال: أتيت النبي ﷺ فقلت يارسول الله: إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة. قال: ويحك أَحَيَّةٌ أمك؟ قلت: نعم، قال: ارجع فبرّها، ثم أتيته من الجانب الآخر فقلت يا رسول الله: إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة. قال: ويحك أحية أمك؟ قلت: نعم يا رسول الله، قال: فارجع إليها فبرّها، ثم أتيته من أمامه فقلت يا رسول الله: إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة. قال: ويحك أحية أمك؟ قلت: نعم يا رسول الله، قال ويحك الزم رجلها فثمّ الجنة) رواه النسائي وابن ماجة وصححه الألباني.
وإن برّ الوالدين والإحسان إليهما في الإسلام ليس فقط في كل أيام حياتهما بل يستمر بعد وفاتهما، فقد روى أبو أُسيد -رضي الله عنه- أن رجلاً جاء إلى النبي ﷺ فقال له: هل بقي من برّ أبَوَيَّ شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: نعم؛ الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما من بعدهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما) رواه أبو داود وابن ماجة وأحمد وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وحسّنه ابن حجر.
ولهذه النصوص الشرعية غيرها عرف الصحابة الكرام منزلة الأم في الإسلام وعظم حقها على أبنائها وفضيلة برها،
فقال ترجمان القرآن عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما-: (لا أعلم عملاً أقرب إلى الله -عز وجل- من بِرِّ الوالدة) أخرجه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني.
ولما شهد عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- رجلاً يمانياً يطوف بالبيت حاملاً أمه على ظهره  ويقول:
إني لها بعيرها المُذَلَّل *** إن أُذْعِرَت رِكابُها لم أُذْعَرِ
ثم سأل ابن عمر -رضي الله عنه-: أتراني جزيتها؟
فقال ابن عمر -رضي الله عنه-: لا، ولا بزفرة واحدة -يعني من زفرات الولادة-. أخرجه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني

فهل بعد ذلك نحتاج نحن المسلمون لتقليد الغرب في الاحتفال بالأم وإدخال السرور عليها في يوم واحد في السنة؟!
هذا انتهاك لحق الأم وانتقاص من حقها، فحقها كل الأيام في حياتها وبعد وفاتها.
أنستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير؟!
لم يأتِ أحد ولا تشريع بالإحسان للأم بمثل ما أتى به الإسلام.
فلنعتز بإسلامنا ولنلتزم تعاليمه ونبرّ أمهاتنا وآبائنا ونحسن إليهما وندخل السرور عليهما في كل الأيام في حياتهما وبعد وفاتهما.
اللهم اجعلنا بارّين بأمهاتنا وآبائنا، وارضَ عنّا وعنهم، ورضّهما علينا يا كريم.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين


كتبه
د. عبدالرحمن عبدالله الجرمان